• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / عالم الكتب
علامة باركود

تقدمة كتاب " البهائية .. تاريخها وعقيدتها .. وصلتها بالباطنية والصهيونية "

تقدمة كتاب " البهائية .. تاريخها وعقيدتها .. وصلتها بالباطنية والصهيونية "
الشيخ عبدالرحمن الوكيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/6/2013 ميلادي - 14/8/1434 هجري

الزيارات: 9834

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تقدمة كتاب

"البهائية .. تاريخها وعقيدتها .. وصلتها بالباطنية والصهيونية"

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين والمرسلين محمد الذي أرسله الله رحمة للعالمين.

 

وبعد:

فقد نشرت صحيفة مصرية بتاريخ "9/4/1954" ما يأتي: "إن معتنقي البهائية يصرون على أن يكتب في خانة ديانة المولود: "بهائي"؛ ولهذا كتبت وزارة الصحة إلى إدارة الشعبة الاجتماعية والثقافية بمجلس الدولة تسألها الرأي، فتلقت كتابًا بتاريخ 18/3/1954 جاء فيه: إن "موضوع الدين البهائي سبق أن عرض على محكمة القضاء الإداري، وقد جاء في حكمها: إن هذا الدين ليس له وجود قانوني، وإن من يعتنقه من المسلمين يعتبر مرتدًّا عن الدين؛ ولهذا قررت الشعبة: أنه لا يجوز إدراج أي بيان في الخانة المخصصة للديانة" وجاء في فتوى أخرى لمجلس الدولة عن هذه الطائفة: "إنها ترمي إلى بث عقائد فاسدة تناقض أصول الدين الإسلامي وعقائده، وتنتهي إلى تشكيك المسلمين في آيات كتبهم ونبيهم، بل إنها تخالف الأديان السماوية".

 

من هذا يتبين لنا بجلاء أن هذه الفئة كانت تكافح في سبيل أن ترغم الدولة على الاعتراف بها؛ لتقيم شعائر الكفر، وتقترف جرائم الصهيونية تحت سمع القانون وبصره. ومن المحزن المؤلم أن بعض الناس في الشرق قد تردوا في ردغة البهائية فهلكوا، وأهلكوا. وكانت مأساة تتلوها مأساة!!

 

وإليك بعض ما عرفت من تلك الفواجع:

رآها في الجامعة، فرأى الجمال المشبوب، وسحر الأنوثة الفاتكة، ورأت هي في عينيه نهمًا وشهوة محمومة، فمارست هواه، حتى تزوج بها، وهو يظن أنها مسلمة.

 

ثم تبين له أنها تغشى المحفل البهائي في القاهرة لممارسة شعائر البهائية فيه وللعربدة في أحفاله الماجنة، فراح يتوسل إليها أن ترتدع عن غيها، وأن تعود إلى الإيمان الصادق بالله. غير أنها كانت على ثقة من أن فتنتها الجسدية كفيلة بالقضاء على ثورته، فأبت في عناد أن تستجيب له، فهفا الزوج إلى أهلها يستغيث بهم، وإذا بالحقيقة تبدهه صاعقة!!؛ إذ تبين له أنهم جميعًا من زنادقة البهائية.

 

وعصف بسكينة الزوج قلق رهيب وحيرة عاصفة!! أنه لا يدري كيف يتجلد لهذا السعير الذي يضطرم في جسده حين يرى هذه الفتنة الوحشية، وقد تقتَّلت له في المخدع السكران، ولا يدري ماذا يفعل لهذه السفلة الجميلة الوديعة التي أثمرتها صلته بهذه المرأة، ولا كيف يستطيع أن يصم سمعه عن ذلك النذير المدوي في أعماقه بوعيد الله؟!.

 

وسكن الصراع الدامي في نفسه إلى نتيجة اطمأن إليها، فأسرع إلى القضاء يطلب - كما جاء في صحيفة الدعوى -: "الحكم ببطلان الزواج بسبب الغش الذي أدخلته الزوجة عليه، وإخفائها عنه عيبًا جوهريًا لو علمه ما أتم العقد، وهذا العيب هو اعتناقها مذهب البهائية" وغير ذلك مما فصلته صحيفة الدعوى[1]!

 

ودمرت أسرة، وضلت في تيه الشقاء طفلة!!

امرأة مؤمنة: ومن شرفة شبابي رأيت امرأة تشرق على وجهها الهضيم صباحة الإيمان، ويرف على جبينها الملتاع شفق جراح وأحزان، وفي عينيها الذاويتين دموع مأساة يكفكفها الصبر الجميل، وحولها أربعة أطفال هم صور زاهية للرحمة والبراءة، وعلى شفاههم الذوابل بسمات تندى طهرا ووداعة، بسمات لا تشعر أن ليلا طاغيا من الهموم يوشك أن يطغى على سنها الجميل!

 

إن قصة هذه المرأة هي قصة الإيمان المتعالي بقداسته عن أن تدنس، وبكرامته عن أن تمتهن، وبكبريائه عن أن تستذل.

 

لقد ظفرت البهائية في "المحلة الكبرى" بزوجها الفقير، فجردته من دينه ورجولته وإنسانيته بثمن بخس من المال. ثم حاولت البهائية بكل وسائلها مع هذه المرأة؛ لتفسق عن دينها، فأبت إلا أن تعتصم به، فجيء لها بكبير البهائية - وهو شيطان احتشدت لتزيين كفره كل أبالسة الكفر - فلم يجد منها إلا قوة ملائكية تسحق أبالسته، وإلا كبرياء ترديه صريعا في حقارته وتفاهته، وإلا نورا يبدد مادهمها به من ظلمات، وإلا إيمانا يعلن في جلال اليقين وقوة الحق أن البهائية كفر صراح. ويئس دعاة الصهيونية من قهر هذه المؤمنة، ففرضوا على زوجها ألا يطلقها، حتى تعيش معه في ردغة الخطيئة، فيهون عليها إيمانها الطهور.

 

وفهمت المرأة الشريفة ما يريدون، فهربت من البيت بأطفالها؛ لتتنسم نسمات الطهر الوادعة الرقيقة، ولم يقلقها المصير المجهول؛ لأنها أودعت بين يدي الله مصيرها ومصير أطفالها، ولم يثنها أنها لا تجد من القوت حتى ما يسد خلة، أو يحفظ رمقا؛ لأنها تؤمن بقول الرحمن: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾ [هود: 6].

 

هربت إلى الرحاب الفساح والمجالي الوضاء من رحمة الله ورضوانه، وطالبت المحكمة بأن تصدر حكمها بالتفريق بينها وبين الرجل الذي كفر، فقضى لها بالحق الذي طلبت، وبهذا الحكم العادل تحطم الغل الظلوم الذي كان يمسك بها أسيرة مرغمة. وإني لعلى يقين من أن هذه المرأة المسلمة الصبور قد وجدت القلوب الرحيمة التي تعيش هي وأطفالها في ربيع محبتها.

 

شاب يتردى:

وهنالك مأساة أخرى ما زلت أعرفها بما ذرفت لها من دموع وبما أحسست لها من شجى عميق!! كنت أجلس في بيت صديق[2]، فجئ لي بشاب جامعي أخبرني الصديق أنه يرتاب في أمر دينه، فأخذت أستدرج الشاب حتى نَدَّت عنه كلمة "بهائية" فتراءيت بأنني لم أشعر بعثرته هذه، ولعله خدع بما تراءيت به؛ إذ رأيته يسألني في غير ريبة عما أعرفه عن البهائية، فمضيت أحدثه عنها، وأنا أحدق في عينيه لعلني استشف منهما ما يعتمل في نفسه، فندت من الشاب كلمات جعلتني أصمم على سبر أغوار نفسه في غير ما تشف ولا حنق، وأجنح إلى اليقين من أن هذا الشاب ضحية سفحتها البهائية على نصب أوهامها وخُلَّب وعودها. وكان ما أبديته من إشفاق عليه هو الشعاعة التي راحت تهديني في ليل أعماقه الغريقة في الظلمات، وهو يقص مأساته في قوله: "لقد ماتت أمي، ولم يعوضني أبي عن حنانها الذي كان يشيع الدفء في شتاء أحلامي المقرورة؛ إذ كان في شغل عني بزوجة أخرى، فأكرهت على اللجوء إلى منـزل أخي الأكبر" ثم تنهد الشاب، فخيل إلي أن صدره يكاد ينشق عن قلبه، فقلت له: وما قصة أخيك هذا الذي تصدع بذكره قلبك؟ فقال: "كان أخي في عمل يدر عليه القليل من المال ثم سدت طريقه امرأة لها سلطان طاغ من أنوثتها الجياشة بالفتنة الصاخبة التي تشعرك بأنها ملهوفة الرغبة، ولكن عليك أنت أن تبدأ!، وسلطان من دنياها التي فجر فيها الترف، وسلطان من ثقافتها التي تفسد الدين والفكر والخلق، وتجعل من الشيطان الدميم امرأة جميلة ساحرة الفتنة والخطيئة، فعربدت نفس أخي بشهوة الوحش المنهوم، والفريسة الجميلة الرخصة تغريه بأن يغرس في لحمها أنيابه، ويلغ في دمها كما يهوى، كان أخي جائع الدنيا جائع النفس جائع الجسد، وقد جعل جوع الفقر من دنياه التي لا يعصمها دين، ولا خلق أهواء مخبولة، فامتدت مخالبه؛ ليأكل الفريسة، ولكنها - ويا أسفاه - افترسته؛ فقد كانت هذه الأنثى القتول بهائية، فاستطاعت بغمغماتها التي ينفث فيها الشيطان غواية سحره أن تجرد أخي من بقية كان يعتصم بها من دينه، وأن تدنسه بما دنست به فطرتها، فما هي إلا أن تقتلت له بفتونها وأن تؤجج فيه سعير شهوته حتى صار بهائيا، بل من كبار دعاة البهائية".

 

وصمت الشاب قليلًا، ثم أفاق ليتابع قصته - وقد شرقت بالدموع كلماته وغص بجنان الشجو صوته - فقال: قلت لك إنني أكرهت على أن ألجأ إلى بيت أخي للأسباب التي ذكرتها لك، والتي كان من أهمها رغبتي في إتمام دراستي. وفي بيت أخي تكشفت لي زوجته عن صدر حنون يسطع منه عبير حب وردى الأحلام، وريا حنان يحيل مأساتي عرسا في ربيع الجنة، فأنسيت أبي وأمي، ورويدا رويدا راحت تنساب في دمي بخمرة بهائيتها، وشعرت أنني أنداح أمامها، وأنه ليس هناك ما يقاومها فيّ سوى أطياف وذكريات. ذكريات الريف الطيب الوديع في عذرى أسماره، وفتنة العبير والنور في نسماته وأسحاره ذكريات المسجد الطهور، وأنا أهتف مع المصلين في صباح العيد: الله أكبر الله أكبر! ذكريات القبل السواحر التي هي أقدس تعبير عن روحانية الحب تحنو بها أمي على وجنتي عقب عودتي من المسجد هازجة بدعائها الطيب: كل سنة وأنت طيب. ذكريات! واهًا لها من ذكريات!! إنها تؤكد لي اليوم أني مضيَّع الدين والحياة. فما أدري على أي دين أنا اليوم". وكان هذا القول الطافح بالشك والحيرة دليلا على أن الشاب يصيح بي من أعماق هاويته، وكان ما بدهني به بعد ذلك من جدل بهائي حجة على أنه ضالع مع البهائية بحاضره حان على الإسلام بخيالاته وذكرياته، فحسب.

 

مظاهر الشرك: وقلت للتعس الحزين: "إن البهائية تدين بربوبية البهاء وابنه عبدالبهاء ولا أدري كيف يطمئن قلب إلى عبادة رب غافَصهُ الموت. رب كان يسيطر عليه عدوه، ويقضي على مشيئته بوعد تافه، أو وعيد بسوط! ربّ كانت حياته جاسوسية قذرة محتقرة من أجل درهم!" وتململ الشاب قليلا، ثم اندفع يجادلني في موت الإله، فكان مما قاله:

"ألستم تعبدون محمدًا وهو ميت؟!" فقلت: "لك أن ترمي بهذا بعض من ينتسبون إلى الإسلام كابن عربي وأتباعه الصوفية أولئك الذين هم من شياطين وحي البهائية. أما المسلمون الذين يتدبرون القرآن، ويعملون بهديه، فلا يعبدون إلا ربا واحدا هو الله الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، ولا يعتقدون في محمد سوى أنه بشر ورسول، هو خاتم النبيين والمرسلين" فقال الشاب: "قول يخالفه العمل، ودعوى يجحد بها الواقع بكل ما له من مؤكدات الواقعية المحسة. ألا ترى ألوف الألوف منكم يستغيثون بمحمد وآل بيته. في حركاتهم وسكناتهم. في سجوات الليالي، وجلوات الأسحار. في غسق العشايا ووضاءة الأبكار، في نجاوى الإعلان والإسرار، في كل ذلك وغيره لا ترى من المسلمين إلا ضراعة الذل إليه، وإلا السجود على عتبات أضرحة آل بيته يسفحون عليه ذل العبودية ودموعها! ألا تسمعهم يقسمون بقبر محمد، بل بتراب قبر محمد، وشباك ضريح محمد؟ ما بالك تعيب البهائية بعبادة اثنين هما: البهاء وابنه، وعندكم مئات من أرباب وآلهة تلوذ بها آمالكم وقلوبكم وتعبدونها من دون الله! من ذلك الذي تسمونه السيد البدوي؟ أو ما تلك الأسطورة التي كانت أخس فرية زيفها تاريخ الأساطير على عشاقه، فعشقوها، وعبدوها؟ ومن الدسوقي الذي افترى أنه عرش الله وقلمه وكرسيه؟ ومن ابن الفارض الذي يؤكد أنه الذات الإلهية صفة وماهية؟ ومن الشعراني الذي جعل من أحط الجرائم وأفحش الخطايا كرامات ولايات، ومعجزات قداسات؟ ومن هذا ومن ذاك؟ وما ذلك النسب الروحي المؤلّه الذي تصلون به بين الألوهية والجيف؟ وما ذلك الخنوع الذي تقتفونه حيال قبور أوليائكم؟ أليس خنوع العابد بين يدي المعبود؟ لمن هذه "الموالد" تفترى؛ ليستباح الإثم فيها والغواية، وتقترف المنكرات باسم الدين؟ وإلى أية قبلة تتوجه منكم القلوب، وتقام الوجوه في حشود تدافع دراكا متلاحقة بالمناكب؟ انظر إلى هذه الألوف من الزمر العاكفة على القبور المشيدة على رمم وأوهام!! ألا تراهم يعبدون أحجارها وأستارها؟ ألا تراهم يهوون على مواطئ الأقدام منها يمرغون الجباه عليها ذلا وضراعة، أو ابتغاء بركة امرأة ربما كانت خطيئة الخطايا في غيوب التاريخ، أو هالك فَزِع التاريخ، وكلّت يداه من كثرة ما سجل له من مخاز وسوءات، أو وهم كذوب خدع به الناس هوى عصوف الضلالة؟؟ أصغ جيدًا إلى ما تُهَمْهِم به الشفاه، وأنت تجوب الطرق، أو تستوي على مركب في البر والبحر، وهنالك سوف تصك مسمعك ضراعتهم إلى كل شيء ولكنك لن تسمع واحدا من هؤلاء يذكر اسم الله أو يرجو رحمته! ولئن نسى أحدهم، فذكر الله، فإنه يقرنه باسم معبود آخر له من دون الله!! أصغ بسمعيك عقيب كل صلاة في معابد الأضرحة، وثمت لن تسمع إلا خشوع النجاوى تنوح بها الشفاه والقلوب لجيف يخنق الريح نتنها، أو يعيث الدود الشره في لحومها. وعذراك أن استبدت بي ثورة غضبي مما أرى، وحذارك أن تتعصب، فتنكر واقعا يبده سمعك وبصرك في كل لحظة وتركت الشاب ينفس عن غليل صدره، وينفث مقت بهائيته، ويقص الحقيقة التي تجردت لها اليقظة والواقعية المحزنة المروعة، ويروي جريرة "ابن عربي" وسلف شياطينه وخلفهم!! وروّه عني قليلا أن الشاب لم يكن على بينة من كل ما جناه "ابن عربي" وأتباعه على المسلمين، فلم يعرف مثلا أن هذا الشيطان الأكبر يؤلّه هذا الكون المحس بكل ما فيه، وبكل من فيه، وأنه يصوب كل خطأ، وأنه يرى الشرك عين التوحيد، ويرى الضلالة حقيقة الهدى، ويرى الباطل إلهام الحق وقدس الحق!! ويوقن أن كل خطيئة يقترفها مجرم يجب أن تنسب إلى الله حقيقة لا مجازا، إذ ما ثَمَّ غير الله حتى يمكن نسبة شيء إلى غيره!! فهذه الخاطئة الهلوك التي يفتك بها وحش الخطايا، وتفري هي جلده إنما هي تجسد الحقيقة الإلهية في أحلى تجسداتها المعبودة، فلا يروعنك أن تجد الصوفية نـزاعة إلى تقديس الخطيئة! كما كان يرى ابن عربي أن فرعون كان أعلم بحقيقة الأمر من موسى وأعظم منه؛ لأن الحقيقة الإلهية التي كانت متجسدة فيه أعظم من الحقيقة الإلهية التي كانت متجسدة في موسى. وإبليس - كما زعم الجيلي في كتابه الإنسان الكامل - كان أعلم الخلق بآداب حضرة الربوبية، وهو جليس الرب وأنسيه يوم الدين! روّه عني كما ذكرت أن الشاب لم يكن على بينة من كل هذا، وإلا لبدهني به، وصرفني عن وجهي بما يثير من جدل في شأن هذا وعلاقته بالإسلام، ثم درت بعيني محدقا إليه في ذلك الضباب المعتم المسف؛ لأراه، ولأقول له: ما زلت تحكم على الإسلام بما يجترح بعض الذين ينتسبون إليه بأسمائهم، وتحمل على الحق والنور جرائر الباغين العادين عليه، وتبهت الإسلام بضلالة من زعموا أنهم كهانه وأحباره، فظننتَ أنه هو ما ترى، وما تسمع!! إنك قصصت الواقع الذي يتلطخ به كثير من الناس، غير أن هذا الواقع يبرأ منه الإسلام براءة الحق والتوحيد والهدى من الباطل والشرك والضلالة! قصصت جناية "ابن عربي" عليك وعلى أمثالك، وعلى البهاء نفسه!! إنك استهدفت، فأصبت الهدف، غير أن سهمك لم يمسس صدر مسلم؛ فالإسلام هو هذا التعالي الجليل بالروح عن الخشوع لغير الله، وعن أن تدين بعبوديتها الخالصة لسواه، هو هذا اليقين الراسخ يستحوذ على المشاعر والخواطر، والذي يجرد النفس- وقد أخلصت لله دينها - من كل ما يربطها بغيره سبحانه من شعور بالخوف، أو إحساس بالرهبة، أو انعطاف بالرجاء، أو نـزوع بالحب، فيصبح المسلم، ولا سلطان يأخذ بقلبه، أو يسيطر على سلوكه في العبادات والمعاملات إلا سلطان الله وحده، ولا رغبة توجه دنياه إلا الرغبة في رضوان الله وحده؛ ولا خوف تقشعر منه حياته إلا الخوف من الله وحده؛ وبهذا يشعر المسلم أنه قوي عزيز، لأنه لله عبد خالص العبودية، والله - جل شأنه - هو الذي بيده ملكوت السموات والأرض، وهو العزيز القهار، خالق كل شيء. أحكم على الإسلام بكتابه، وبما بينه به رسوله صلى الله عليه وسلم من قول أو عمل. أنا لا ألومك على ثورتك، ولا أجحد بما قصصت، ولكني ألومك كل اللوم إن نسبت هذا إلى الإسلام، وأسمِه بأنه بهتان أثيم، فما هو إلا وثنية حقود كنود شرعها طواغيت الجاهلية، لا رب الإسلام! ألا تقرأ قول الله سبحانه: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُون * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ﴾ [الأحقاف: 4 - 6]. وألا تقرأ قول الله الذي يهدي به الرسول والبشرية إلى سواء السبيل: ﴿ قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الأحقاف: 9]. وما هذه من صفات الربوبية الخلاقة المهيمنة، وإنما هي من صفات البشرية النبيلة التي منّ الله عليها بالنبوة. ثم تدبر قوله سبحانه: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]. هذا قبس مشرق من هدى الإسلام في الدعوة إلى إخلاص الدين كله لله، وبهذا نقوم كل أمر ديني تقويما يفصل في جلاء تام بين صفات الربوبية وصفات البشرية، فهذه الآية تثبت وتؤكد بشرية النبي الأعظم الرسول الخاتم، وتنفي عنه نفيا باتا صفات الألوهية، يستوي في هذا ظاهره وباطنه، فإذا كان هذا هو شأن خاتم النبيين والمرسلين، فما بالك بمن هم دونه، وهم لم يشارفوا مقامه الأعظم؟! تأمل كيف جاء في الآية الكريمة "بشر مثلكم" بدلًا من "بشر مثلي" أو "بشر" فحسب فكلمة "مثلكم" هذه تكفي في الهداية إلى الحقيقة التي يتعامى عن رؤيتها الملحدون الحلوليون!! لأنها تهدينا إلى أن بشريتنا هذه التي نمارس غرائزها وعواطفها وميولها، هي عين بشرية محمد - صلى الله عليه وسلم -، بل تهدينا إلى أن نجعلها لنا مقياسا نقيس به بشرية الرسول الأعظم، حتى نعرف هذه البشرية الطهور معرفة لا يخدع يقينها ظن، ولا يهمس في سمعه ريب، ولو لم تذكر "مثلكم" هذه، لعبث بنا وهمٌ يصور لنا أن بشريته قد تكون من نوع آخر لم نمارس نحن فطرته، ثم تدبر هذا الحصر الدقيق المحكم في قوله جل شأنه:﴿ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ﴾؛ ليشرق الحق الأبلج في قلبك، ولتوقن أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - لم يكن إلا بشرا مثلنا في ظاهره وباطنه، وأنه بذاته وصفاته يشع منه التعبير الصادق عن البشرية الخالصة التي فطر الله الناس عليها، فليس فيه انفصام يجعل منه بشرا في آن، وإلها في آن آخر، أو يجعله ذا طبيعتين: ناسوت ولاهوت، أو بشرية تكمن فيها الألوهية، كلا! وإلا فليؤمن هؤلاء الذين فسقوا عن أمر الله وهدى الفطرة ويقين الواقع بأننا جميعا بشر وآلهة في وقت واحد؛ لأن محمدا الذي وصفه الله بأنه بشر مثلنا يزعمون له ذلك!! وإذا هم آمنوا بهذا الكفر لم يبق لآلهتهم خصوصية تدعونا إلى أن نخصهم بالعبادة!

 

إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - كان بشرًا، وظل - وهو رسول - بشرًا، وصعد إلى الرفيق الأعلى وهو بشر، وجاء القرآن في إعجازه البلاغي يأمر رسوله أن يؤكد هذه الحقيقة للناس، وتبقى آية الله شهيدة على ذلك. ولكن بشريته -صلى الله عليه وسلم- لم تحلق في سماء إيمانها بشرية أخرى، فهي البشرية التي تجردت عواطفها الشريفة وغرائزها الطيبة عن كل ما يمس كرامة الإنسانية وكمالها بعاب واحد. البشرية التي عبَّدها حب الله لتقوى الله وحده، البشرية التي كرم الله صاحبها، واصطفاه، فجعله خاتم الرسل، والله أعلم حيث يجعل رسالته!

 

جرد الفكر من ميراث قرون تفشت في سرائرها زندقة الصهيونية ومكائدها؛ لتفهم، وتعقل عن القرآن، فتؤمن.. "ما أدري ما يُفعَل بي ولا بكم" أهذه صفة ربوبية تحيط بكل شيء علما، أم هذه صفة بشرية لا تدري ماذا تكسب غدا؟

 

وشعرت كأن الشاب يرعوي جحوده، ويتطامن عناده؛ إذ راح يلح في الرجاء في أن أسعى إلى لقاء أخيه؛ ليسمع مني، وأسمع منه، فقلت له: "بل أنا الذي يسرف في رجائك في أن تبذل جهدك كله في سبيل ذلك" فقال: "كن على حذر؛ ففي بيت أخي وعقله مكتبة كبرى من كتب الفلسفة" فقلت: "من هذا أُتي أخوك، فقد آمن بمتناقضات تلك الكتب، ثم راح يخضع كل حقيقة دينية أو عقلية لسطوة الباطل المبثوث في هذه الكتب، وسآتي أخاك، وما معي من كتاب إلا كتاب الله" فقال الشاب: "سأسعى بك إليه" فقلت: "يسرني أن أكون أنا الساعي إليه. حسبي أن ألقاه، وإن يكن في المحفل البهائي".

 

ولبثت حتى اليوم أنتظر، وقد مر أكثر من عشرة أعوام!! ولعل أنوثة المرأة التي استعبدت أخاه، استطاعت أن تقنعه بأن ابتسامة منها خير له من نور الإيمان الذي كان يود أن يسعى إليه، فدلف وراء الظلام هربا من النور!!

 

لقد كان مما قاله لي الشاب: "لم يبق لي بالإسلام من صلة إلا ذكريات وإلا قراءة سورة يس أهديها إلى روح أمي في كل يوم جمعة" ولكنها القراءة التي تهتز بها شفتاه، ولا يتدبرها قلبه وعقله، وإلا لاطمأن إلى اليقين الجليل من حقيقة الإيمان. ولعل الوحش الأنثى زوجة أخيه لم تدع له مهربا من خطاياها، فجثمت على صدره مدى العمر، وخاطت شفتيه حتى عن قراءة السورة، وبغضت إليه أمه وذكرياته!!

 

جناية التصوف:

تلك مأساة يقصها أساي المعتبر، قصة لم يبتدعها خيال، ولم ينمقها تصور، ولكنها حقيقة سجلها التاريخ في سجل الضحايا التعساء وما قصصتها إلا لكي يعلم من يحبون أن يعلموا، ولأشهدهم على من لا يحبون أن يعلموا أن تراث ابن عربي وأتباعه وأساتذته هو الذي صور الإسلام لهذا الشاب في هذه الصورة النكراء، وأنه هو الذي يثير في شبابنا نوازع الشكوك التي تدفع بهم إلى التردي في درك العقائد الفاسدة والنحل المارقة، والمذاهب التي تنفث في صدورهم السم الناقع الزعاف؛ لأنهم يرون الإسلام - كما تصوره الصوفية - دين عبودية للجيف، وصفار مهين تحت أقدام الطواغيت، وخطايا يزعم لها أنها معارج الروح إلى قدس الأقداس. يرونه دجلا خسيسًا، وشعبذة دنيئة ومرقعات صبغها الرياء بألوانه، وعمائم زركشتها نـزوات النفس وشهوات الحس، ومسابح ضخاما طوالا يدمدم عليها علوج النفاق، وأجسادا تستخفها نشوة المخدرات، وفسق الصبوات، فتتكسر على النغم الوثني في حلقات الرقص الذاكر، محطمة في تكسرها كل فضيلة مخدرة!!

 

يرونه "موالد" هي ردغة لكل ما يفتن الشيطان في تزيينه من غواية!!

 

جناية علم الكلام: ثم يا ويل شبابنا من ذلك الجدل المحموم في كتب علم الكلام! أتراهم - إن طالعوها - يلقون منها سوى الشك والقلق الذي يجعل منهم فرائس للهموم أو للمخالب القذرة الباغية التي تعمل في الظلام ضد الإسلام!؟ إنهم لا يطالعون فيها ما يهدي، ويكشف عن جلال التوحيد الصادق الخالص الذي إليه دعا الإسلام. إنهم لا يرون فيها نضالا في سبيل تأييد الحق، وإنما يرون صراعا داميا في سبيل تأييد رأي عصف به الهوى، ولجت بباطله العصبية المذهبية، وتدرع به من قبل كهنة الأساطير في كفاحهم ضد دين الله. ويرون صراعا يتلاشق فيه مقترفوه بالتكفير دون أن يتبينوا في حومة هذا الصراع لا وجه الكفر، ولا وجه الإيمان. إنهم يطالعون في أمهات هذه الكتب التي يزعم أربابها أنها تمثل عقيدة أهل السنة والجماعة أن الإيمان بالجوهر الفرد، أو الجزء الذي لا يتجزأ، أو الذرة التي لا تنقسم كالإيمان بوحدانية الله، أو هو الركن السادس من أركان الإسلام ويهول شبابنا هذا القول، ويثير في نفوسهم الرعب والريب. فقد أثبت العلم التجريبي الصادق تفتت الذرة، وأقام على أساس هذا قوى جبارة فتاكة مدمرة. أتراهم يصدقون ذلك الوهم الأسطوري؟ أم يصدقون هذه الحقيقة العلمية التي يشهدون آثارها الجلية؟ إنهم إن جنحوا إلى احترام العقل، فآمنوا بهذه الحقيقة، فسيوصم كل منهم بأنه كفر بالركن السادس من الإسلام! فماذا يصنع الشاب منهم؟ لا ريب في أنه سيؤمن بحقائق العلم، وليكن ما يكون!! غير أن كفره بما سطرت الخرافة في كتب "علم الكلام" سيظل مترائيًا له في صورة تفزِّع أنهارَه ولياليه!! لأنها -كما صورت الكتب - كفر بحقيقة من حقائق الإسلام.

 

ويطوي أحد هؤلاء الشباب ثائرًا متمردًا هذه الصفحة؛ ليطالع صفحة أخرى، فيشهد جدلا عنيفا ثائرا حول صفات الله سبحانه وعلاقتها بالذات الإلهية. يقرأ: أنها عين الذات، ثم يقرأ ما يبطل هذا الرأي! فيثور، ويقلب الصفحات في عجل ملهوف، ليرى نتيجة الصراع، فماذا يرى؟! يرى أنهم يلزمونه بالإيمان بأن الصفات الإلهية ليست عين الذات، ولا غير الذات! فلا هي هو، ولا هي غيره، ويحاول أن يفهم، فيستحيل عليه الفهم! فيقذف بالكتاب بعيدًا ثم يعود، فيستفزه الرعب مما فعل! ألم يرم بكتاب مقدس كما صوروا له؟! ويقرأ مرة أخرى في هذه الكتب رأي من يقولون: إن العبد يخلق أفعال نفسه، ويرتاع من كلة "الخلق" هذه، ويفزع إلى حجة تقضي على هذا الرأي، فلا يرى إلا من من يقول إلا من يقول له: إن الله خالق، والعبد كاسب. ويحاول أن يفهم هذا القول الذي يقرر: أن الله هو الخالق لفعلك، وأنت الكاسب لفعلك، ويستحيل عليه الفهم! وهكذا يظل يضرب في تيه لا يعرف في ظلمائه لمحة من نور، ولا يستنشى لليله نفحة من صباح!

 

جناية المذهبية: ثم يا ويل شبابنا أيضا من المذاهب الفقهية المتصارعة! لقد وقع في يد أحدهم كتاب من الكتب التي تعنى ببسط هذه المذاهب، فمضى يقرأ فيها عن الوضوء، وسامه الكتاب التخبط في مصطلحات مذهبية غُمٍّ لا يلمح لها صفاء وجه، ولا وضح جبين. وظل يكابد الصبر العنيف لعله يعرف من هذا الكتاب كيف يتوضأ، ولكنه رأى الصبر يتمرد عليه، فرمى بالكتاب سأْمَان ملولًا يتميز من الغيظ، وتلهبه الحسرة! إنه ضل بين شروط الصحة، والفروض والواجبات والسنن والمستحبات، وغير ذلك مما زمجرت به أنواء الكتاب! فلجأ إلى كتاب آخر ألفه شيخ يدين بمذهب آخر لعله يهديه! فماذا رأى؟ لم ير إلا ما زاده جهالة بما يريد أن يعرفه. فلقد رأى هذا الكتاب يقول عن أمر ما: إنه سنة، على حين كان الكتاب الأول يؤكد له أن هذا الأمر فرض أو واجب! فماذا يفعل؟ لقد هفا إلى شيخ كبير يسأله ويستهديه فبدهه الشيخ بسؤال محير: ما مذهبك؟! وحار الشاب! إنه يعلم أنه مسلم، ولكنه لا يعلم على أي مذهب هو؟ وأخيرا استطاع أن يقول للشيخ: أنا مسلم يا أبتاه! فَزَمَّ الشيخ شفتيه ممتعضا مزدريًا، ثم قال: يا ولدي أنا على مذهب فلان، ولا يجوز لي أن أفتى إلا به! ومضى الشاب حيران متثاقل الخطو! وساقته قدماه إلى مسجدٍ ما، فدلف إليه، ونظر كيف يتوضأ الناس، وفعل كما فعل أحدهم، ثم جلس يصغي إلى خطبة الجمعة، وسمع الخطيب يتحدث عن زكاة الفطر، فكان مما سمعه: إن عليك أن تخرج مقدار كذا إن كنت شافعيا، وكذا إن كنت حنفيا، وكذا إن كنت مالكيا، وكذا إن كنت حنبليًّا، وتساءل الشاب: أهؤلاء أربعة رسل جاءوا بأربعة أديان، وهو يعلم أن دين الله واحد هو الإسلام، وأن رسوله واحد هو محمد - صلى الله عليه وسلم -؟! وعصف القلق والهم برأسه، وراح يغمغم: يا ترى كيف يخرج الزكاة، وما له من مذهب؟

 

ثم هداه الله إلى كتابه، فتلا قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ﴾ [المائدة: 6]. فذهب، وتوضأ كما أمره الله، وغمر الفرح بنور الهدى قلبه، وحدث شيخا كبيرا بما فعل، وإذا بالشيخ يتوعده بعقاب رهيب من الله، ويقول له: يا بني أنت تلحن في القول، ولعلك لحنت في تلاوة الآية، فأصابتك لعنات الله وملائكته! ثم إنك لست أهلا لتدبر كتاب الله واستنباط الأحكام منه، فمالك إلا أن تقلد مذهبا معينا، وظل الشيخ يهدد، ويتوعد، فطوي الشاب كتاب الله، وانطلق في الحياة يطويه التمرد على كل شيء يتصل بأمر دينه. لقد قال له من ظن أنهم شيوخه عن تلك الكتب: إنها كتب الإسلام، وهو لم يعرف منها كيف يتوضأ، فهل يعرف منها كيف يؤمن؟! أما القرآن فقد حرم الشيوخ عليه تدبره، فماذا يفعل؟!

 

أما والله لو أن هذا الشاب - ومثله كثير - فقه دين الله من كتابه، وفقه كيف نفذ الرسول -صلى الله عليه وسلم -أحكامه، وأقام أركانه ما أضلته ابتسامة بهائية عن الحق، بل ولا أجساد فجرت فيها خلاعة الفتنة، ولا كتب حشد الشيطان فيها كل مكره! ولكنه تراث ابن عربي وأمثاله. إنه هو الذي يحمل أوزار كل هؤلاء الضحايا. إنه هو الذي حرض الريب والشكوك؛ لتفتك بقلوبهم فاندفعوا - كما زعموا - يتلمسون الحقيقة والحق في شيء آخر، فتلقفتهم شيوعية أو بهائية أو وجودية، وما ثَم إلا صوفية تتراءى بأقنعة شتى. لقد حالت بين بني إسرائيل، وبين تدبر التوراة المنـزلة، وصرفتهم إلى ما حرف منها، وإلى التلمود. وحالت بين قوم المسيح وبين الإيمان بالإنجيل الصحيح، وكذلك جنت على هذه الأمة، فصرفت الكثير منها عن القرآن إلى مفتريات وشهوات سميت كتبا، فصرف الله عنهم نوره وهداه. وعونه ورضاه.

 

إن في معتقدات كثير ممن ينتسبون إلى الإسلام ميراث قرون عاثت الصوفية فيها بضلالاتها، ميراثا يتعصب له مقترفوه تعصبا لم تتردد حتى الجاهلية في مثله، تعصبًا يدفعهم - في غل موتور - إلى معارضة الحق الجلي من القرآن بذلك الباطل الملعون. ولطالما بحت أصواتنا تحذر من مهالك هذا التراث، فكنا لا نلقي ممن يقتاتون من سُحْته سوى الصياح حتى لا يصل إلى الأسماع دعاء الهدى، غير أنا في عهد يعمل لتصحيح معاني القيم حتى لا يشتبه حق بباطل، ولا هدى بضلال ولا خير بشر.

 

إن التوحيد حق، ومما يوجبه علينا أن نؤمن بأن الله ليس كمثله شيء. فجاءت صوفية ابن عربي - مثلا - وأعطت التوحيد مفهوم "وحدة الوجود" ثم قالت: نعم. إن الله ليس كمثله شيء، لأنه هو عين كل شيء، وما ثم غيره من شيء، فالكافر عين المؤمن، والمشرك عين الموحد، وإبليس عين جبريل وفرعون عين موسى، وأبو جهل هو عين أبي بكر، والخلق عين الخالق. فكل هو الحقيقة الإلهية الخالقة المخلوقة.

 

هذا ما تدين به صوفية ابن عربي، وعنها أخذت البهائية.



[1] عدد رقم 727 من صحيفة المساء الصادر بتاريخ 11/10/1958.

[2] هو الضابط الأخ سعد عمران.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف: البهائية حركة صهيونية وأتباعها "فئة ضالة"
  • علاقة القاديانية والبهائية بالماسونية
  • البابية والبهائية وجهود التصدي لهم
  • اعتقاد مؤسسي البهائية وأتباعهم
  • البهائية والاعتقاد في الحشر والجنة والنار والنبي
  • البهائية واعتقادهم بنبي غير محمد صلى الله عليه وسلم
  • الغاية من تأليف كتاب: البهائية ( تاريخها وعقيدتها وصلتها بالباطنية والصهيونية )
  • عبدالبهاء والبهائية (1)
  • كشف أسرار الباطنية وأخبار القرامطة (1)

مختارات من الشبكة

  • البهائية : تاريخها وعقيدتها وصلتها بالباطنية والصهيونية (WORD)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • كتاب تقدمة المعرفة لكتاب الجرح والتعديل(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تسهيل المسالك بشرح كتاب المناسك: شرح كتاب المناسك من كتاب زاد المستقنع (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ومضات مشرقة للحضارة العربية الإسلامية من خلال كتاب إسبانيا في تاريخها (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قراءة في كتاب الموجز في تاريخ البلاغة لمازن المبارك: ملخص لأهم معطيات الكتاب(مقالة - حضارة الكلمة)
  • موارد ومصادر (الشماريخ في علم التاريخ) للسيوطي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة تقدمة المعرفة بكتاب الجرح والتعديل(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تقدمة فضيلة الشيخ عبدالرحمن الباني لكتاب "الدراسات النفسية عند الإمام ابن تيمية"(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تقدمة لكتاب: المنظمات اليهودية ودورها في إيذاء عيسى عليه السلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كتاب صلة تاريخ الطبري(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب